اعترف أبو الآثار (لقب يطلق عليه في "إسرائيل")، وهو عالم الآثار "الإسرائيلي" الأبرز: إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب، بعدم وجود أية صلة لليهود بالقدس. جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة جيروزاليم ريبورت "الإسرائيلية" مؤخراً، توضح فيه وجهة نظر فلنكشتاين الذي أكد لها أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة، كانتصار يوشع بن نون على كنعان.
وشكك فلنكشتاين في قصة داوود الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب المعتقدات اليهودية، فهو يقول إنه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على اتخاذ اليهود للقدس عاصمة لهم، وإنه سيأتي من صلبهم من يشرف على ما يسمى ب(الهيكل الثالث)، وإنه لا وجود لمملكتي يهودا و"إسرائيل"، وإن الاعتقاد بوجود المملكتين هو وهم وخيال. كما أكد عدم وجود أية شواهد على وجود إمبراطورية يهودية تمتد من مصر حتى نهر الفرات "وإن كان للممالك اليهودية (كما تقول التوراة) وجود فعلي، فقد كانت مجرد قبائل، وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة. أما ما يتعلق بهيكل سليمان، فلا يوجد أي شاهد أثري يدلل على أنه كان موجوداً بالفعل".
من جانبه، قال رفائيل جرينبرغ، وهو عالم آثار يهودي ويحاضر في جامعة تل أبيب: "إنه كان من المفترض أن تجد "إسرائيل" شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن "الإسرائيليين" يقومون بالحفر في القدس لأعوام من دون العثور على شيء".
من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار مستقل، عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع رأي سابقيه قائلاً: "لم تعثر "إسرائيل" حتى ولو على لافتة مكتوب عليها - مرحباً بكم في قصر داود" واستطرد قائلاً: "ما تقوم به "إسرائيل" من استخدام لعلم الآثار بشكل مخّل يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى يهودية".
ومن المعروف أن الدولة الصهيونية ومنذ تأسيسها حتى اللحظة حاولت تدعيم أساطيرها التوراتية بوجود آثار لليهود في فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص، في محاولة واضحة لربط قيام الدولة بالتاريخ القديم، ومن أجل الإثبات بوجود الممالك "الإسرائيلية" في فلسطين، وهيكل سليمان في القدس، على طريق تسويغ شعار "أرض الميعاد" الذي رفعه المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، وكذلك تسويق شعار "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".
بالطبع، ما قاله العلماء اليهود الثلاثة، الذين يعيشون في "إسرائيل"، ليس جديداً، فكثيرون من علماء الآثار والتاريخ العالميين وصلوا إلى هذه الحقيقة المؤكدة، منهم عالمة الآثار كاتلين كينون في كتابها "علم الآثار في الأرض المقدسة"، كذلك تصب في هذا الاتجاه دراسات المؤرخ بيتر جيمس التي نشرها في كتابه "قرون الظلام"، وأيضاً ما كتبه توماس تومسون في كتابه "التاريخ المبكر للشعب "الإسرائيلي"، والحقائق التي أكدها المؤرخ العالمي الذائع الصيت أرنولد توينبي، والمؤرخ غوستاف لوبون في كتابه "تاريخ الحضارات الأولى" وغيرهم وغيرهم.
إن من أبرز من اعتمد الأضاليل والأساطير الصهيونية حول الحق التاريخي لليهود في فلسطين هو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي في كتابه "مكان تحت الشمس". كل ما أبرزه نتنياهو في كتابه المذكور هي دراسات لعلماء آثار عالميين مثل: إدوارد روبنسون، تيتوس توبلر، ه.و.جرين، كلود كوندر، فمن وجهة نظره "فإن الدراسات العلمية لهؤلاء كان لها دور مهم في تبديد الضباب الذي كان يغطي هذه الأرض (يقصد فلسطين) في الرأي العام الدولي، فلم تعد مملكة "إسرائيلية" خيالية بل حقيقة متجسدة، إذ لم تعد القدس منطقة مهجورة بل مدينة، وكذلك الأمر بشأن بيت لحم، الخليل، يافا".
الحقيقة، وباعتراف نتنياهو نفسه، مثلما أورد في كتابه كإثبات: "إن هؤلاء العلماء رسموا خريطة حديثة للمنطقة من نهر الأردن حتى البحر المتوسط، ومن جبال لبنان حتى صحراء سيناء". بمعنى آخر، حاول نتنياهو التلميح إلى أن هذه الحدود كانت لمملكة "إسرائيل"، غير أنه لم يقل ذلك صراحة، بل أورد ما جاء في أبحاث هؤلاء العلماء في "أنه جرى الاعتقاد بوجود مملكة "إسرائيل" ضمن هذه الحدود". غير أن وجود الخريطة لا يعني إثبات وجود مملكة "إسرائيلية" في هذه الحدود كما يدّعي نتنياهو في كتابه المذكور، والذي كان لي شرف تفنيد ما جاء به من أضاليل في كتابه، في مؤلفي بعنوان: "تزوير التاريخ في الرد على نتيناهو: مكان تحت الشمس" الصادر في عمان 1997.
العلماء "الإسرائيليون" الثلاثة الذين أوردنا ما قالوه في بداية هذه المقالة، هو إثبات جديد من علماء يهود "إسرائيليين" ينكرون فيه وجود مملكة "إسرائيل".
ما قاله هؤلاء إثبات جديد على الأضاليل الصهيونية، وتصلح معه الأمثال القائلة: "من فمك أدينك" و"شهد شاهد من أهله" و"اعتراف من أهل البيت".