جملة اعتدت أن أسمعها من أمي منذ أن وطئت قدماي مرحلة الثانوية
تعالي إلى المطبخ 00 حاولي أن تتعلمي بعض الأكلات 00 محاولات عدة قامت بها والدتي لأخترق عالم المطبخ الذي لم يكن يستهويني أبدا0 وكم تناقشنا في هذا الموضوع ! وكم حاولت أن أُفهم والدتي أن الطريق إلى قلب الرجل ليس معدته ، فرجل اليوم يختلف عن رجل الأمس ، والطرق عدة إلى قلبه ، والطعام آخر اهتمامات الشباب الآن ، ولكن كل منا كانت تتشبث برأيها ، وكم كنت أشعر بمدى بعد أمي عن تفكيري وإن كنت أتلاقى معها في نقاط كثيرة .. أصاب أمي اليأس من تغييري فتركتني أشق حياتي بمفاهيمي الخاصة
انتهت المرحلة الثانوية وانتهيت من دراستي في المعهد التجاري وجاء دور الزواج ، وكم كانت سعادتي كبيرة أن يكون أول من دق باب بيتنا شاباً متحضراً يدرس في الخارج ويريد زوجة يصطحبها معه لبلاد الغرب
بنطال من الجينز وقميص ملون وكلمات إنجليزية يلقيها بين الحين والحين
بالضبط كما كنت أرسمه في خيالي ، وبالتأكيد هذا النوع سيكون الطريق إلى قلبه ليس معدته كما كانت أمي تحاول دائماً أن تقنعني
تم الزفاف وسافرت مع زوجي حيث مكان دراسته ، وكم كانت أيام جميلة تلك التي عشتها ، فأنا بطبعي أحب الفوضى ولا أحب الحياة الرتيبة وكذلك هو
الغداء في مكان ، والعشاء في مكان ، والفطور ليس ضرورياً ، أسبوعان وحياتي أجمل مايكون حتى جاء اليوم الذي بدأت فيه دراسته بالجامعة مرة أخرى
أيقظني زوجي في الصباح الباكر على كلمات لم أكن لأستوعبها " سأذهب مع صديقي الآن للمزرعة لنأتي باللحم وسأشتري لك بعض مستلزمات المنزل ، هل تحتاجين شيئا معيناً " ؟
وبشفتين مثقلتين من أثر النوم ، وجفون أكثر ثقلاً شكرته وعدت لنومي مرة أخرى رهبة من جهلب بهذه الأمور
وبعد فترة من الزمن لست أدري مداها عاد زوجي وقال لي أن الأغراض على الطاولة وأنه سيغادر ويعود في العصر
استيقظت من نومي وأعددت نفسي لتناول كوب من قهوة الصبح ، تلك التي كانت أحياناً أكافئ نفسي بتناولها ، وما إن وطئت قدماي أرض المطبخ حتى رأيت منظراً لم أره في حياتي
لحم خروف كامل ملقى على سطح المطبخ وأكياس مبعثرة على طاولة السفرة ! منظر أصابني بالهلع ولم أستطع ان أمكث دقيقة في المطبخ ، أسرعت إلى الصالة ودموعي تسبقني وتنهمر بصورة لم أعهدها أبداً
" خوف من شيئ غريب" و" ارتباك من الموقف"
مشاعر عدة راودتني في هذه اللحظة دفعتني لأن أرفع سماعة الهاتف لأقوم بالاتصال بوالدتي بالرغم من اختلاف التوقيت بيننا ، وما إن سمعت صوتي حتى أخذت تصرخ ، وتحاول أن تعرف ما ! أخبرتها ، والبكاء يقطع كلماتي
صمتت والدتي ، ربما تحاول أن تلتقط أنفاسها ولم أسمع منها إلا ضحكة ثم جملة غريبة " هذا خبز خبزتيه ، أخذيه يا الرفلة وأكليه"
وطلبت مني أن أتصرف بمفردي ولا أتصل بها في هذا الوقت مرة أخرى ، أنهيت مكالمتي وزادت حيرتي وفي وسط هذه الدوامة من الحيرة إذا بباب الشقة يدق ، وما إن استفسرت عن الطارق حتى جاء صوتها خلفه ، " أنا أم نايف ، جارتك من السعوديه" ، نعم لقد أخبرني زوجي عنها وعن زوجها من قبل ولكننا لم نلتقِ
جففت دموعي بسرعة وفتحت الباب ، وبالرغم من تظاهري بالسعادة لزيارتها إلا ان سؤالاً ظل يطل من شفتيها وعينيها اللتين تحاولان أن تعرف ما بي ، وما إن بدأنا تبادل الحديث حتى وجدتني أبوح لها بسري وسط دموع تنهمر دون إرادتي ، بل اصطحبتها إلى المطبخ وجعلتها ترى هذا المنظر الفظيع
لم يكن هو هذا اليوم الوحيد الذي وقفت فيه أم نايف معي في مطبخي الصغير تعلمني وترشدني لما علي فعله ، بل توالت الزيارات وتتالت أوراق الوصفات وتتالت أيضاً أواني الطهي التي كنت أخفيها في أكياس القمامة بعد أن كنت أحرقها أثناء الطبخ ولا أعرف كيف أنظفها
الغريب في الأمر كله أنني اكتشفت اكتشافاً غريباً " أن الطريق إلى قلب الرجل هو معدته" وإن ارتدى الجينز والقميص الملون ، فلم أكن أحصل على عبارات الثناء إلا عندما أعد طبقاً مميزاً أو طبخة تذكر زوجي بطهي والدته
نعم00 الطريق إلى قلب الرجل مــعــدتــه وإن التف حولها محاولاً أن يتفاداها00 فلا بد أن يمر بها